كان الجمع غفيراً حين لمح طيفها بينهم، ترتدي نفس اللّون الذي كان يهوى رؤيته عليها؛ ذاك الأزرق الهادئ الجميل كزرقة السمّاء الصافية،
شعرها الطويل يكسو ظهرها كرداء نُسج من حرير، كان يتابعها بنظراته و ينتظر إشارة الضوء الأخضر و هو يكاد يقفز من مكانه كي يلحق بها حتى لا تختفي عنه من جديد،
تحرّك بسيارته و ركنها على أقرب رصيف و نزل جرياً على قدميه سالكاً إتجاهها.
مضى وقت طويل على فراقهما، كانت زميلته في الدّراسة منذ الإبتدائية، تفوقا معاً و واصلا مشوار دراستهما حتى الثانوية،
ما كان يربطهما أكبر بكثير من مجرّد زمالة عادية، فعلاقتهما كانت جدّاً قوّية، تبادلا فيها الثّقة و تسّارا على بساط من الصرّاحة و الموّدة.
كان يلهوان بالطرائف أحياناً و يعتبران بها أحياناً كثيرة، يفرحان و يبكيان، يجريان و يلعبان، يغضبان و يتخاصمان لكن عن بعضيهما لا يمكن أن يفترقان،
أحبّا بعض حتى انصهرت روحيهما في جسد واحد و أصبح من الصعب يتفككان...
رفع يده و نظر إلى الساعة التي تزيّن معصمه و تذكّر يوم عيد ميلاده، تذكّر حين رآها في أبهى حلتّها و روعة جمالها بجاذبيتها و سحرها، تلك الحيوية المتدفقة منها،
بكل معاني السمو و الرّفعة فيها، شعاع الذّكاء و بعد النظر في عينيها، ذلك الإستقرار و الطمأنينة و كل المعاني النبيلة، معاني الوّد و الوفاء و الإخلاص، كانت تحمل هدية بين يديها الناعمتين،
و هي تدرك أنها كانت هي أجمل و أروع هدية... ما يزال يحتفظ بتلك الساعة و ما يزال يحتفظ بحبّه لصاحبتها التي ذهبت دون سابق إنذار،
قيل له أنها سافرت و عائلتها خارج حدود الوطن و تركته لتساؤلات و علامات إستفهام كثيرة؟؟ !!! لكنه اليوم وجدها و ستجيبه على كل تساؤلاته، نعم كلّها.
لحق بها أخيراً و اقترب منها و قلبه يكاد يسبقه إليها و الفرح يرفعه من على الأرض ليحلّق به في ربوع حبّه الضائع...
ناداها باسمها الذي اشتاقت شفتاه للفظه بكل الحنان و الحب و الشوق و كل ما يحمله من أحاسيس داخلية، لكنها لم تنصت و لم تستدر له،
ناداها مرّة أخرى و هي تسرع في خطواتها و لا تستجيب له، وضع يده على كتفها فاستدارت و إليه نظرت،
إتسعت عيناه و نشف ريقه و تجمّد الدّم في عروقه و قال و بالكاد صوته كان يُسمع: آسف ظننتكِ شخصاً آخر...